السبت  الخامس بعد عيد ارتفاع الصليب «الإنجيل

 

إنجيل اليوم (متّى 22 / 1 ـ 14)

 

 

1 أجاب يسوع أيضًا بالأمثال فقال لهم:

 

2 "يشبه ملكوت السموات ملكًا أقام عرسًا لابنه.

 

3 وأرسل عبيده ليدعوا المدعوّين إلى العرس، فرفضوا أن يأتوا.

 

4 وعاد فأرسل عبيدًا آخرين، قائلاً: قولوا للمدعوّين: ها أنا قد أعددتُ وليمتي، وذبحتُ ثيراني ومسمّناتي، وكلّ شيء معدّ. تعالوا إلى العرس.

 

5 ولكنّ المدعوّين لم يكترثوا، فمضوا واحد إلى حقله وآخر إلى تجارته.

 

6 والباقون قبضوا على عبيد الملك فأهانوهم وقتلوهم.

 

7 فغضب الملك وأرسل جنوده فأهلك أولئك القتلة، وأحرق مدينتهم.

 

8 حينئذٍ قال لعبيده: العرس معدّ، ولكنّ المدعوّين ما كانوا له أهلًا.

 

9 فاذهبوا إلى مفارق الطرق، وادعوا إلى العرس كلّ من تجدونه.

 

10 وخرج أولئك العبيد إلى الطرق، فجمعوا كلّ من وجدوا من أشرار وصالحين، فامتلأت قاعة العرس بالمتّكئين.

 

11 ودخل الملك لينظر المتّكئين فرأى رجلًا لا يلبس حلّة العرس.

 

12 فقال له: يا صاحب، كيف دخلت إلى هنا، وليس عليك حلّة العرس؟ فظلّ صامتًا.

 

13 حينئذٍ قال الملك للخدّام: اربطوا رجليه ويديه، وأخرجوه إلى الظلمة البرّانيّة. هناك يكون البكاء وصريف الأسنان؛

 

14 لأنّ المدعوّين كثيرون، أمّا المختارون فقليلون".

 

 

 

أوّلًا قراءتي للنّص

 

أُعطي لهذا النص، في "الترجمة الليتورجيّة"، العنوان التالي "مَثَل عرس ابن الملك"؛ وأُعطي للنصّ الموازي له في لوقا (14 / 15 ـ 24)، العنوان التالي "مَثَل المدعوّين"؛ هذان العنوانان هما المحور في كلا النصّين، إذ يتكوّن المَثَل، في متّى وفي لوقا على السواء، من وصف ملكوت السماوات بوليمة عرس أقامها ملك لابنه (متّى)، أو عشاء عظيم صنعه رجل (لوقا)، ومن مواقف المدعوّين من دعوتهم إلى هذه الوليمة أو هذا العشاء، وأخيرًا، ممّا نتج من تلك المواقف المتباينة.

 

 

2 ـ يقول يسوع لنا، على لسان متّى: إنّ ملكوت السماوات يشبه ملكًا أقام عرسًا لابنه (2)؛ فملكوت السماوات، إذًا، عرس دائم، أقامه الله الآب تمجيدًا لابنه يسوع؛ وبعد أن أعدّ هذا الملك كلّ شيء، أرسل عبيده ليدعوا المدعوّين (باختيار)، مرّة ومثنّى؛ وعندما تخلّفوا عن المجيء، توجّه بدعوته إلى جميع الشعوب، فلبّوا الدعوة، وامتلأت قاعة العرس بالمتّكئين (10).

 

أمّا في المَثَل الموازي، فيقول يسوع لنا، على لسان لوقا، وفي المادّة نفسها، إنّ رجلًا صنع عشاءً عظيمًا ودعا كثيرين (16)، بدءًا بالمدعوّين (باختيار)؛ وعندما تخلّف هؤلاء عن المجيء، توجّه بدعوته إلى الجميع، مرّة ومثنّى، حتّى امتلأ بيته منهم، هكذا، يرينا يسوع، نصّ المَثَل، أنّ الله ثابت في دعوته للمدعوّين (باختيار)، أوّلًا، ولجميع الشعوب، لاحقًا، ومواصل لهذه الدعوة حتّى يمتلئ ملكوته من الذين يلبّون هذه الدعوة.

 

 

 

3 ـ ويقول يسوع لنا إنّ المدعوّين (باختيار) قد اعتذروا عن المجيء، مضطرّين، بسبب انشغالات طارئة (لوقا)؛ قد رفضوا المجيء، ولم يكترثوا لتكرار الدعوة، حتّى مع عرض لائحة الطعام ("ذبحت ثيراني ومسمّناتي")، بل ظلّ بعضهم في انشغلاته الدنيويّة، وقبض بعضهم الآخر على حاملي الدعوة لهم، فأهانوهم وقتلوهم!

 

فاستدعى موقفهم الرافض هذا توجيه الدعوة إلى الجميع، إلى المتواجدين على الطرق والسياجات، في المدينة وشوارعها، من مساكين ومقعدين وعرج وعميان، من صالحين وأشرار، واستقبال الملبّين منهم الدعوة، حتّى امتلأ المكان؛ وعندما حضر الملك، ورأى بين المشاركين مَن لم يكن مستعدًّا لها، رجلًا لا يلبس "حلّة العرس"، تساءل عن كيفيّة دخوله، وأمر بربط رجليه ويديه، وبإخراجه وزجّه في الظلمة البرّانيّة؛ وهذا يعني أنّه مطلوب منّا جميعًا أن نكون دومًا مستعدّين للملكوت، في أيّ زمان ومكان أدركتنا الدعوة إليه، فلا عذر لأحد في ذلك.

 

 

 

4 ـ تخلّفُ المدعوّين (باختيار) عن المشاركة في وليمة الملكوت الجيّد، المتمثّل هنا بالكنيسة، بسبب أمور دنيويّة، قد أغضب صاحب الدعوة، وحمله على القول الجازم: " لن يذوق عشائي أحد من أولئك المدعوّين" (لو 14 / 24)؛ وتعدّي البعض من هؤلاء الرافضين على "عبيد الملك"، حاملي الدعوة إليهم، بالقبض عليهم وإهانتهم وقتلهم، قد عرّض هؤلاء الفاعلين للهلاك، ومدينتهم للخراب.

 

ضرورة الاستعداد السابق والكافي للمشاركة في وليمة الملكوت، والمعبّر عنه ب "حلّة العرس"، التي هي من "صنعنا"، قد عناها الرب بقوله: " إنّ المدعوّين كثيرون، أمّا المختارون فقليلون" (14).

 

 

 

ثانيًا قراءة رعائيّة

 

1 ـ هذا المَثَل الذي هو صدى للمَثَل السابق (مَثَل الكرّامين القتلة)، يحكم، بشكل ضمنيّ، على رؤساء الشعب، لأنّهم عاندوا، ولم يتقبّلوا البشارة التي حملها يسوع إليهم؛ لذلك، توجّهت هذه البشارة إلى الوثنيّين؛ لهذا المَثَل الموازي له في لوقا منطلق واحد، على أنّ متّى يضيف الآيات (11 ـ 13)، وكأنّها مَثَل آخر حول الرجل الذي لا يلبس حلّة العرس.

 

2 ـ الآية (10)

جمعوا كلّ من وجدوا من أشرار وصالحين، نظّموا "جماعة" حول الملك (رجع 12 / 30؛ 13 / 47)؛ الجميع حاضرون في "الكنيسة"، كما في الشبكة التي تجمع من كلّ جنس؛ فدعوة الملك لا تستبعد أحدًا، بمن فيهم الخطأة أنفسهم (9 / 9 ـ 13).

 

 

3 ـ الآية (11)

ترمز حلّة العرس إلى الإيمان وفرح الخلاص، كما إلى البرّ أو الأعمال الصالحة التي يشدّد متّى على أهمّيتها (5 / 16 ـ 20 ؛ 7 / 21 ـ 22)؛ قد نتشكّك من تصرّف الملك، ولكنّ دعوة الله، وإن مجّانية، لها متطلّباتها، نتذكّر، في هذا المجال، العذارى الجاهلات اللواتي لم يكن معهنّ زيت (أي الأعمال الصالحة)، فظللن خارج وليمة العرس، وسمعن الحكم القاسي: "لا أعرفكنّ".

 

 

 

4 ـ الآية (14)

في قراءة أولى، يحكم النصّ على اليهود الذين دُعُوا، أوّلًا، فاعتذروا؛ فدعا الربّ الوثنيّين، فلبّوا دعوته؛ وفي قراءة ثانية، يحكم النصّ على كلّ مدعوّ إلى وليمة الربّ، ولا يلبّي لاعتذارات واهية، فيطرح خارج الملكوت، أو يلبّي، ولكن لا يلبس حلّة العرس، فيُطرح في الظلام.

 

 

 ـ شرح عبارات وكلمات

 

 أ ـ ملكًا (2)

إنسان ملك (حرفيًّا): الملك يدلّ على الله.

 

 

ب ـ أقام عرسًا (2)

أعراسًا، في الأصل اليونانيّ، لأنّ أيّام وليمة العرس تمتدّ إلى سبعة، وترمز إلى اتّحاد الله مع شعبه اتّحادًا نهائيًا في الفرح؛ تجدر الإشارة إلى أنّ هذا المثل لا يشدّد على الابن، بل على المدعوّين الذين رفضوا الدعوة.

 

 

ج ـ أرسل عبيده (3)

لتذكير المدعوّين منذ زمن بعيد، بالدعوة وتحديد يومها، الشعب اليهوديّ مدعوّ منذ إبراهيم وموسى وداود؛ ولكنّهم تخلّفوا حين دعاهم الربّ (الابن)، هنا، بنيّة سيّئة، وأحيانًا عن إهمال (4 ـ 5).

 

 

د ـ ما كانوا له أهلًا (8)

رفضوا الدعوة عمدًا، وما تصرّفوا عن خطأ أو جهل.

 

                                                                           الأب توما مهنّا